مهلا هناك من يحتاج لمستك
كانت بجوار ساحل البحر00الرياح تداعب عباءتها التي إمتلأ أسفلها بالغبار00رفعت النقاب عن وجه أصفر اللون 00جميل المحيا00تزين جبهته خصلات ناعمة بنية00لم يكن بجوارها أحد فقد خرجت من عملها وطلبت من السائق إنزالها عند البحر00الساعة الآن التاسعة والنصف00الكل في أعمالهم00الحرارة بدأت تشتد00هناك بعض النسيمات00عندما تيقنت أن لاأحد بجوارها 00بدأت تبكي00نشيج 00نشيج00بكاء عالي00عويل 00آآآآآههه00جال بخلدها صوتها وهي تصرخ خلال ولادتها ببندر00كانت تلد وتصرخ ألما وحزنا من خيانة ذلك الحضن الذي أوت إليه وظنته بديلا عن حضن والدها00وإخوتها00وأمها التي سافرت إلى الخارج مع أختها الصغيرة في بعثة لدراستها الجامعية00
تذكرت إستغراب الممرضات من صرخاتها المفزعة وإستنفارهم للأطباء ليخففوا ألم الطلق بالمسكنات والمحفزات للولادة00تذكرت صوت طالب كلية الطب الشاب الذي هب من غرفة مجاورة ووقف خلف الستارة يحثها على الصبر وأجر الدعاء وهو مستنفر لكل قواه ليدعمها معنويا00تذكرت الممرضة وهي تمسد كفيها لتقوي عزمها وتشجعها على إتمام عملية الولادة00لم يكن ذلك الشاب وذلك الطبيب والطبيب والممرضة يعلمون00سر صرخاتها 00حتما إنها تعاني آلام الطلق التي تجعل الإمراءة تنسى كل غالي لديها تلك اللحظة لأنها قريبة من أعتاب الموت بشدة العذاب00لكن عملية الولادة حتما يتلوها فرج خروج المولود بإذن
الله00لكن جرحها من يداويه00جرح قلبها الذي فقد الأمل في صلاح معذبه 00قاتله00
ملت من نزواته 00من قسوته00من إستهانته بمشاعر الأنثى00
كل سفرة يعود منها بعشيقة ثم يدعي بعدها القيم ويعود إلى منبر الصلاح والتقى00أمام الناس00
ليتني الآن في عملية ولادة إذ سأجد من يطبطب على كتفي ويساعدني حتى ألد00لكن الآن من يساندني00
إنهم يرونني حية أرزق لكني مقتولة00وقاتلي طليق00
إنهم يرونني قوية00لكن أنا ضعيفة 00خفضت رأسها ناحية الأرض00وجدت عصفورا مكسور جناحه يمشي بضعف 00لم يكن كسره واضحا00لكن عينها الأليمة عرفت ذلك لأنهما متشابهان00فالحزانى يعرفون بعضهم بدقة من نظرة واحدة عميقة!!
كانت دموعها تسيل كشلال00يالله دموعي لقد وصلت إلى صدري 00أطرقت في هدوء حتى عند وفاة والدي لم أبكي مثل هذا البكاء000لأنني الآن فقدت أبي مرتين00!
لقد ظننت أنني سأجد صدرا يعوضني عن الحرمان واليتم 00سيدللني مثل ماكانت أبي يدللني00كان ينظر إلي في عطف وحنان صدق معه قلبي الوحيد بأنه سيكون حضنا له 000
لكنه خانه00إن قلبي يبكي 00إنه يعلن إجازة رسمية من الإنضمام إلى معترك الحياة ومشاركة الناس صفوهم00
إنسحاب 00إنسحاب00
تراءت لها صورة طفلها بندر00ذو العينين الواسعتين كم كانت تجد فيه حنانا رغم صغره00
تذكرت عندما كانت متعبة من المشي في أحد المراكز00فجلست على كرسي متحرك00فقام بدفعها رغم سنوات عمره التي لم تتجاوز ثماني سنين00كان يدفعها بعزم بساعديه النحيلتين00كانت تحاول ثنيه لكنه كان يقاوم رغبتها بالنزول حتى أرغمته ونزلت ضاحكة00كان حبها الجديد والذي وطنت قلبها على ان لاحبا هناك في حياتها سواه00
لكنه000ثم سقطت على الأرض تنتحب00أخذه منها 00ثم إنفصلا عن علاقة حاولت فيها الصمود ومقاومة خياناته بالإنكفاء على تربية بندر لكنه 00كان يحاول كسر رغبتها بالتميز والتحليق مع طفلها بعيدا عن جوه العفن00
كان يغار من نجاحاتها وحب الناس لها بل وحتى من حب العجائزاللاتي يدعين لها فقد كانت بشهادة الكثير ناشطة في جمعية خيرية لمساعدة المحتاجين00لقد إرتفع نجمها في وقت بدأ نجمه بالأفول فقد بدأ الناس بالإنصراف عن كلماته البراقة والمزدانة بالقيم حين بدأت تخرج من فم أسود الشفاه من التدخين وأمور أخرى00!!
واجهته ذات مرة برغبتها بالإنفصال عنه وأخذ طفلها وليتمم مسيرته الخيانية مع غيرها00لكن يبدو أن ذلك لم يعجبه فمن سيبكي نزواته وخياناته إذا تركته00يجب أن تكون هناك أنثى تبكي من أخطاءه بحقها
ليحس برجولة وقوة وهمية وتسيد على 0000قلب عصفور صغير مبلل بالمطر!!
-من ستربي الآن00من تغني له أغنية قبل النوم00؟من تطعم ؟من تشتري له الملابس ؟من تدرس ؟
لقد طردها من منزلها وبندر يصرخ بفزع ماما00كانت مقلتيه تتسعان بشدة 00يمسك بالباب ليلحق بها00يمسكه حذيفة فيغلق الباب وراءها بشدة عليه00تسمع صراخه خلف الباب00
تحملها أقدامها إلى منزل والدها القديم 00وصراخ طفلها يرن في أذنيها ماما00كانت تتمنى فقط أمنية أنها رحلت وهو نائم حتى لايفجع بخروجها وتركها له000
هاهي جالسة في غرفتها الصغيرة 00لاتزال أنيقة ومرتبة رغم الغبار الذي يكسوها00زارها إخوتها وأخواتها المتزوجات 00أعادت فتح البيت القديم لهم 00إمتلأ في عطلة نهاية الإسبوع بأطفال إخوتها00كانت تقبل هذا وتحتضن هذا00وكلما سمعت طرقا على الباب هرعت إليه 00تتخيل أن بندر هو الطارق وسط نظرات الرحمة من أهلها00
حاولوا التدخل والوساطة لإعادة بندر والعلاقة مع زوجها00لكنها رفضت العودة إلى حذيفة00كانت تريد فقط 00ب00ن00د00ر!
لكن بندر منذ فترة قد طالت لم يعد 00علمت أن زوجها قد جلب ضحية جديدة تزوجها 00أحست برغم حزنها بالعطف على هذه الضحية التي قدمت بفستان أبيض تبحث عن الحنان والحضن الدافئ00مثلها سابقا!!
رفض كل وساطات عودة حبيبها بندر أليها إمعانا في إذلالها00فكيف تتمرد على أسره أنثى؟
وهاهي على ساحل البحر00تبكي 00تلفتت يمنة ويسرة 00لا أحد هنا00أزمعت على رغبة أكيدة ستحل كل معاناتها 00أسرعت بالإندفاع في حضن البحر الدافئ00ستموت موتا دافئا000!
الماء يدخل فمها 00وأنفها00إنها تغرق من يساعدني 00لا لا أريد أن أموت سأحاول النجاة لكن لا أعرف السباحة 00تجلى لها وجهين ينظران إليها بخوف وبحزن ودموع متحدرة صامته00والدها00وبندر00!
ياارب ساعدني 000!
هوب00يد قوية جذبتها للسطح ثم أناس يتصايحون يحملونها نحو الساحل 000
كانت تسعل بشدة 00وثمة إمراءة تصيح في وجهها بلهجة عربية مكسرة: لماذا 00لماذا فتاة جميلة مثلك ترمي بنفسها في البحر00ألاتخافين الله؟
كان هناك مجموعة رجال ونساء من الجالية الباكستانية قد قدمت للتنزه 00صادف قدومهم غرقها00ساعدتها إحداهن على تنشيف جسدها المرتجف خوفا وبردا رغم الحر الشديد بمنشفة كبيرة 00أسقوها شايا00سألوها إن كانت تحتاج الإسعاف في المشفى أم إستقرت حالتها؟
هزت رأسها وحركت يدها شاكرة لهم00أمسكت إحداهن بيدها نظرت في عينيها 00كوني قوية 00هناك من ينتظرك!
تبسمت في سخرية مريرة عندما رحلوا00قالت بهدوء :من يحتاجني؟
عادت تهاني إلى عملها 00والإنخراط في أنشطة خيرية 00كانت تعمل منذ الصباح وحتى المساء 00لتنسى جراحها الساخنة00كانت تحب إيصال المساعدات بنفسها إلى النساء والأطفال المحتاجين00وشد ماكانت تحنو وتسخو00 على كل شبيه 00ببندر!
في السوق00تتصفح كل الوجوه لتبحث عن بندر00تتخيل كل صوت شبيه أو طفل مقارب له 00بندر!
لم تنسه00كانت تصلي في المساء وتدعو حتى يأخذها النوم00فلاترى إلا بندر00يلعب أو يضحك00وجالس بإنتظارها في الغرفة المقابلة لغرفة نومها00!!
كانت تستغرب من تواتر هذه الأحلام00وتبتسم بسكينة المحزون!!
هاتفها يرن رنينا متواصلا00ياإلهي من هذا المتصل في الصباح
الباكر00؟ربما أمي تطمئن على إستيقاظي للعمل كعادتها حفظها الله لي00!00مهلا الساعة الخامسة فجرا والشمس لم تشرق بعد 00هبت فزعة00رقم غير معروف00لكن قلبها أمرها بالرد0
-تهاني!
في لحظة واحدة رأت وجه بندر الفزع الباكي وهي تخرج من المنزل وحذيفة يغلق الباب عليه000!
-ماذا تريد ياحذيفة؟ ردت ببرود!
-تهاني00
-تهاني00
كادت أن تغلق السماعة لكنه كان يبكي00
لكن قلبها أمرها بمواصلة مكالمته00ربما بندر يحتاجني00أحست بالقلق00
-ماذا؟ كيف حال بندر 00هل هو مريض؟
-تعالي تهاني أنا أحتاجك00أرجوك00
أخذت تفاصيل الطريق وأسرعت إليه00
لم تعرف السر الذي جعلها تسرع إليه00نعم الخائن 00الغادر00القاتل لأحلام العصافير والعش الدافئ00إنه ب ن در هو الزيت الذي يحرك مفاصلها 00سأراه 00سأرى طفلي الحبيب00كانت تسمع صوت الطبول وهي تدق 00الألعاب النارية وهي تشتعل00لم تنبه إلى المكان الذي وصلت إليه حتى رأته00
(سجن الرجال المركزي)!
وقفت بعباءتها أمام القضبان00لحظات00 أمرها الحارس بالإنتظار00
أتى حذيفة00عجبا00كيف أصبح السجان00سجينا00؟وكيف أصبح الوحش كسيرا؟00وكيف أصبحت العواصف00نسيما؟
-ماذا تريد؟ سألته بحزم0
-السماح 00تهاني سامحيني00أرجوك كم قسوت عليك وكم عذبتك كم خنتك وأنت كنت مثالا للأخلاق والصبر00بكى00نعم بكى00
الجلاد00يبكي!!أسرت في نفسها0
لم أجد زوجة مثلك تحتويني وتعطر بيتي بالحنان مثلك00برغم قسوتي إلا أنني أحبك00لنقاءك وطيبتك00
-نعم 00وغباءي!ردت بقسوة0
-لا لا00
قاطعته أين بندر لم آت إلا من أجله0
خفض رأسه بذل00
-لقد أخطاءت بحقك وحق بندر وهاأنا أدفع ثمن غلطتي 00تكالبت علي الديون والهموم حتى لعبت بالقمار وأدمنته وقبض علي!
-لايهمني إلى أين وصلت في الضياع فليس بجديد عليك00لكن إبني أين مالذي حل به؟
-إنه لدى أمي ترعاه وتحدب عليه منذ أن تركتني جواهر00خفض رأسه بحياء00تهاتي ساعديني 00لقد قاربت على أخذ العفو فقد أتممت سبعة أشهر00تهاني ليس لي أحد سواك أعدك سأتغيرالناس وأصدقاءي كلهم رفضوني لا أحد يودني 00تهاني 00 هل تقبليني زوجا؟
لم تجبه كانت قد أولته ظهرها 00
-تهاني 00إلى أين 00سامحيني00سامحيني00كان صوته يتردد في جنبات الزنزانة 000
كانت دموع تهاني تتساقط وهي تخرج 00متجهه الى حبها 00إنه بإنتظاري 00ب 00ن00د00ر!!