عدد المساهمات : 1013ت التسجيل : 18/09/2012 نقاط : 2671 السٌّمعَة : 0
موضوع: الشكر..قيد النعم الجمعة نوفمبر 02, 2012 1:25 pm
أوليتـني نعماً أبـوح بشكرها.. .. .وكفيتني كُلَّ الأمـور بأسرها فلأشكرنك ما حييتُ وإن أمُتْ.. .. ..فلتشكرنك أعظُمي في قبرها
الله عز وجل هو الشكور على الحقيقة: "والله عز وجل أولى بصفة الشكر من كلَِّ شكور، بل هو الشكور على الحقيقة؛ فإنه يعطي العبد ويوفِّقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا ييستقلّه أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يُثني عليه بين ملائكته وفي مَلَئه، ويُلقي له الشكر بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفَّقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.
ولمَّا عقر نبيُّه سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلتْه عن ذكره، فأراد أن لا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متْن الريح. ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته؛ أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم. ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكَّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزَّقها أعداؤه؛ شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرَّ أرواحهم فيها، تَرِدُ أنهارَ الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردُّها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه. ولما بذل رُسُلُه أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبُّوهم؛ أعاضهم من ذلك بأن صلَّى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.
ومن شكره سبحانه: أنه يجازي عدوَّه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا، ويخفِّف به عنه يوم القيامة؛ فلا يُضيِّع عليه ما يعمله من الإحسان، وهو من أبغض خلقه إليه!!
ومن شكره: أنه غفر للمرأة البغي بسقْيها كلبًا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصْن شوكٍ عن طريق المسلمين. فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه، والمخلوق إنما يشكرُ من أحسن إليه. وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يُحسن به إلى نفسه، وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة التي لا نسبة لإحسان العبد إليها. فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر. فمن أحقُّ باسم الشكور منه سبحانه؟!
ومن شكره سبحانه: أنه يُخرج العبد(المؤمن) من النار بأدنى ذرَّة من خير، ولا يُضيِّع عليه هذا القدْر. ومن شكره سبحانه: أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يُرضيه بين الناس؛ فيشكر له، ويُنَوِّه بذكره، ويُخبر به ملائكته وعباده المؤمنين. كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى عليه، ونوَّه بذكره بين عباده. وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه، فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك".[عُدَّة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم، ص279 - 280].
معنى الشكر وأركانه: الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف. وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان لا يكون شكرًا على الحقيقة إلا بمجموعها وهي: - الاعتراف بالنعمة باطنًا. - والتحدث بها ظاهرًا. - والاستعانة بها على طاعة الله. فالشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للثناء والحمد، والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور وكفها عن معاصيه.
من فضائل الشكر: لقد قرن الله عز وجل الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا، فقال: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء:147]، أي إن وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟. وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53]. وقسم الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، فقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:3]، وقال تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40]، وقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. فعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. وقد وقف سبحانه كثيرًا من الجزاء على المشيئة كقوله تعالى: (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) [التوبة:28]. وقال في الإجابة: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) [الأنعام:41]. وقال في الرزق: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:212، وغيرها]. وقال في التوبة: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [التوبة:15]. وأطلق جزاء الشكر إطلاقًا حيث ذكر كقوله: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:145]، وقال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144]. ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر، وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17]. ووصف سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سـبأ: 13]. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى الأرض بالشكر فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3].وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، فإن الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلاً إلا من ذريته كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات:77]، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر، فإنه كان عبدًا شكورًا. وقد أخبر سبحانه أنما يعبده من شكره، فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172]. وأخبر أن رضاه في شكره، فقال تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7].
وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكر نعمه فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:120، 121]. فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة، أي قدوة يؤتم به في الخير، وأنه كان قانتًا لله، والقانت هو المطيع المقيم على طاعته، والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه، ثم ختم له هذه الصفات بأنه شاكر لأنعمه، فجعل الشكر غاية خليله...
.قال محمود الوراق رحمه الله:
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً .. .. ..علي له في مثلها يجب الشكـرُ فكيف وقوع الشكر إلا بفضله .. .. ..وإنْ طالت الأيام واتَّصل العمرُ إذا مسَّ بالسراء عمَّ سرورُها .. .. ..وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ وما منهما إلا له فيـه مـنة .. .. ..تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ نسأل الله الكريم بمنه أن يجعلنا من عباده الشاكرين.