نهاية الحرب عام 1918
شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من 400 ألف جندي ألماني كانوا على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، واستطاع الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في مارس 1918، وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح، والأموال، وقدرت كلفة الحرب في ذلك العام بحوالي عشرة ملايين دولار كل ساعة.
وبدأ الحلفاء يستعيدون قوتهم وشن هجمات عظيمة على الألمان أنهت الحرب، وقد عرفت باسم معركة المارن الثانية في يوليو 1918 وكان يوم 8 أغسطس 1918 يومًا أسود في تاريخ الألمان؛ إذ تعرضوا لهزائم شنيعة أمام البريطانيين والحلفاء، وبدأت ألمانيا في الانهيار وأُسر حوالي ربع مليون ألماني في ثلاثة شهور، ودخلت القوات البريطانية كل خطوط الألمان، ووصلت إلى شمال فرنسا، ووصلت بقية قوات الحلفاء إلى فرنسا.
واجتاحت ألمانيا أزمة سياسية عنيفة تصاعدت مع توالي الهزائم العسكرية في ساحات القتال، فطلبت ألمانيا إبرام هدنة دون قيد أو شرط، فرفض الحلفاء التفاوض مع الحكومة الإمبراطورية القائمة، وتسبب ذلك في قيام الجمهورية في ألمانيا بعد استقالة الإمبراطور الألماني، ووقعت الهدنة التي أنهت الحرب في 11 نوفمبر 1918 بعد أربع سنوات ونصف من القتال الذي راح ضحيته عشرة ملايين من العسكريين، وجرح 21 مليون آخرين.
النتائج
أسفرت الحرب العالمية الأولى عن سقوط الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية-المجرية وروسيا القيصرية، ثم سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1341هـ-1924م وعن خسائر مادية وبشرية جسيمة وعن تراجع الدور الرائد لأوروبا في توجيه سياسة العالم. أما أهم نتيجة لهذه الحرب فقد تمثلت في قيام سلام منقوص يحتوي على جميع العناصر التي من شأنها إشعال الحرب العالمية الثانية. والتي قامت في عام 1939.
وفي أثناء الحرب اضطرت الدول الأوروبية المتحاربة إلى شراء الكثير من المعدات والمواد المعيشية من دول فتية لم تتعرض أراضيها لأذى الحرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا والأرجنتين الأمر الذي جعل أوروبا مدينة لهذه الدول بعد الحرب. وقد رأت أوروبا نفسها بعد الحرب مجبرة على دفع ديونها من احتياطي الذهب الذي كانت تملكه وأدى ذلك إلى تراجع قيمة النقد الأوروبي وإلى ظهور التضخم المالي.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية المستفيدة الأولى من هذا الوضع على أساس أنها الدائنة الأولى لأوروبا قبل الحرب وخلالها. فقد جمعت الولايات المتحدة بعد الحرب نتيجة تسديد أوروبا لديونها 45% من احتياطي الذهب في العالم فأصبحت بذلك أول دائن في العالم.
الخسائر البشرية والمادية
قدرت خسائر الحرب العالمية الأولى بالأرواح بـ 8,538,315 وأكثر من ضعف هذا العدد من الجرحى، وقد أتت خسائر روسيا في رأس قائمة الخسائر البشرية تلتها خسائر كل من ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية.
أما أهم الخسائر المادية فقد وقعت في الأراضي التي دارت فيها المعارك حيث أتلفت المحاصيل الزراعية وقضي على المواشي ودمرت مئات آلاف المنازل وآلاف المصانع إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية وبمناجم الفحم التي غمرها هذا الطرف أو ذاك بالماء لمنع استغلالها من قبل العدو.
ولذلك كان على الدول المتحاربة في مرحلة السلام إعادة بناء ما دمرته الحرب وتحويل الصناعات الحربية إلى صناعات مدنية. لكن قلة الأموال واليد العاملة التي قضت عليها الحرب عرقلت إلى حد كبير عملية إعادة الاعمار المرجوة.
نرى من الجدول أدناه أن خسائر الدول في الحرب العالمية الأولى بلغت أكثر من 37 مليون جندي بينهم أكثر من ثمانية ملايين قتيل.
جندي هندي تابع للقوات البريطانية بعد حصار الكوت في العراق
الدولة القتلى والوفيات الجرحى الأسرى والمفقودون إجمالي الخسائر
الإمبراطورية الألمانية 1,773,700 4,216,058 1,152,800 7,142,558
الإمبراطورية الروسية 1,700,000 4,950,000 2,500,000 9,150,000
فرنسا 1,357,800 4,266,000 537,000 6,160,800
الإمبراطورية النمساوية المجرية 1,200,000 3,620,000 2,200,000 7,020,000
دول الكومنولث 908,371 2,090,212 191,652 3,190,235
إيطاليا 650,000 947,000 600,000 2,197,000
رومانيا 335,706 120,000 80,000 535,706
الإمبراطورية العثمانية 325,000 400,000 250,000 975,000
الولايات المتحدة 126,000 234,300 4,500 364,800
بلغاريا 87,000 152,390 27,029 266,919
صربيا 45,000 133,148 152,958 331,106
بلجيكا 13,716 44,686 34,659 93,061
البرتغال 7,222 13,751 12,318 33,291
اليونان 5,000 21,000 1,000 27,000
مونتينغرو 3,000 10,000 7,000 20,000
اليابان 300 907 3 1,210
المجموع 8,538,315 21,219,452 7,750,919 37,508,686
السلام المنقوص
مؤتمر السلام (1919)
وافقت ألمانيا على توقيع الهدنة في 11 نوفمبر 1918 على أساس مبادئ ويلسون، وقد اعتقدت في حينه أن مؤتمر السلام الموعود سوف يصدر مقرراته واتفاقياته مستلهما الأفكار السامية التي تضمنتها هذه المبادئ ولكن شيئا من هذا لم يحصل فمؤتمر السلام الذي عقد أولى جلساته في باريس 18 يناير 1919 حضره ممثلون عن 32 دولة حليفة واستبعدت منه الدول المهزومة وروسيا والدول المحايدة ولذلك كان هذا المؤتمر عبارة عن اجتماع عقدته الدول المنتصرة لتتقاسم المغانم فيما بينها وتفرض إرادتها على فريق مهزوم مسلوب الإرادة، وبالإضافة إلى ذلك فرض ممثلو ثلاث دول هي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية رأيهم على جميع رؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر.
من اليمين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وودرو ويلسون، رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، رئيس وزراء إيطاليا فيتوريو إمانويلي أورلاندو، رئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج
... يتبع ...